أسامة بن علي بن سعيد البلوشي
24 Mar
24Mar

يحكى أن هناك ولد اسمه سامي وهو في العاشرة من عمره ، يعيش في وسط مدينة من مدن سلطنه عمان ، فأسرته مكونه من أب و أم و وأخت صغيرة في ربيعها الخامس، ينهض سامي كل يوم ويلعب ألعابه المفضلة حتى يشعر بالملل ثم ينتقل للقراءة، ويقرأ كتبه التي حصل عليها من معرض الكتاب ، وعندما يحين وقت المذاكرة يذهب الى مكتبه الصغير الموجود في زاوية من زوايا غرفته المطلة على الحديقة ، وهناك يجلس على كرسيه وسط الكراسات والأقلام وهو يشعر بالشغف والسعي للتفوق ومنافسة أقرانه في الفصل ، وظل على سعيه و اجتهاده حتى حصل على نتائج مميزة أفرحت قلبه ووجدانه وأسرته الصغيرة . 

وفي يوم من الأيام سمع سامي خبرا جف حلقه من شدة الفرحة وهو خبر قدوم عمه ناصرللمدينة ، وعمه ناصر هو الأقرب إليه من بين أعمامه ، وقد خصص يوم السبت يوما لزيارتهم ، فغمرت الفرحة سامي ، لأنه سيلتقي بعمه بعد عدة أشهر من الفراق بسبب عمله ، واستعد سامي لإستقباله وكذلك أسرته ، وفي الساعة العاشرة صباحا دخل العم حاملا في يديه هدية لسامي نتيجة لتفوقه وتميزه في الدراسة ،هنا شعر سامي بالفرحة والإمتنان .

 فكرسامي في نوع الهدية وشكلها وحجمها ، ولم يستطع الإنتظار حتى رحيل عمه في المساء ،بل ذهب مسرعا الى غرفته وكله شوقا ولهفة ليرى ما بداخل الهدية ، فبعد فترة من التمعن والتخمين قرر فتحها ،فشرع بنزع الغلاف حتى بدت الملامح الإولية في الظهور ، فإذا هي بلعبة شطرنج خشبية ، ومنذ الوهلة الأولى تعلق سامي بها وظل منشغلا بها لعدة أيام يحاول فهمها وطريقة لعبها فاستعان بالشبكة العنكبوتية " الإنترنت " ليجمع أكبر قدر من المعلومات . واستطاع أن يلعبها في غضون أسبوعين ، وبدأ باللعب مع أصدقائه في حديقة الحي الذي يعيش فيه .

 استمر سامي في اللعب بشكل مستمر مع أصدقائه حتى جاء اليوم الذي انتقلت فيه الأسرة إلى مدينة أخرى بسبب العمل ، وهنا شعر سامي بالحزن لأنه ابتعد عن أصدقائه الذين يلعب معهم الشطرنج ، ولم يعد يرغب باللعب ،حتى لاحظ الأب حزنه ،فاقترح عليه أن يلعب في الحاسوب فهناك لعبة خاصة بالشطرنج ،فاندهش سامي من الأمر وبدأ بالبحث حتى حصل عليها و اللعب مع الحاسوب والتحدي معه حيث فاق الحاسوب مستوى سامي، وهنا فكر بضرورة تنمية قدراته فيها وكان الاب يراقب الوضع عن بعد ليطمئن على ابنه بعد ما اقترح عليه اللعب مع الحاسوب، فلاحظ توسع مدارك ابنه في اللعب فاستغل الأب اللحظة وبدأ بالحديث عن التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي وتطوره ومميزاته ،فتفاجأ بالمستوى الذي وصل إليه سامي ، فقد أصبح شغوفا في البحث عن ألعاب تحدي الذكاء الإصطناعي وقدراته في التحليل والتفسير، وانتقل سامي من لعبة الشطرنج الخشبية إلى عالم ألعاب الذكاء الإصطناعي ، واستعان بمواقع التواصل الإجتماعي في البحث عن المحتوى الذي يحتاج له في دراسته وكذألك مواقع الترجمة بطريقه آمنة. 

بعد سنوات كبر سامي وكبرت معه طموحاته وأهدافه ، فبعد إن كان يقضي الوقت في اللعب والتحدي فقد أصبح الآن يفكر في تصميم ألعاب التحدي بالذكاء الإصطناعي والتي تنمي الإدراك والتفكير. قررسامي الرجوع إلى طاولته وكرسيه وزاويته الصغيرة في غرفته ، والبدء بتصميم لعبة تحدي ، فقد رسم شكل غرفته هي اللعبة ، وبدأ في التفكير والتخطيط لجعل اللعبة أكثر متعة وتشويقا وتحديا ، وبعد أسابيع من العمل المتواصل لم يستطع سامي التوصل إلى الفكرة المناسبة للعبة وظل حائرا وسط مجموعة من الأفكار . 

في أحد الصباحات دخلت الأخت إلى الغرفة ، ووجدت سامي منغمسا في العمل فحينها بدأت بالتحدث عن أيام طفولتها عندما كانت تلعب لعبة الإختباء وأخيها يبحث عنها ، فهنا هتف سامي بصوت مرتفع ، فإندهشت أخته حتى وضح سامي سبب هتافه ، فقد وجد الفكرة التي طالما سعى للتوصل إليها ، ففكر أن يطلق على اللعبة لعبة الإختباء وتكون هدية الشطرنج هي شكل اللعبة المخفاة ، حيث يقوم الذكاء الصناعي بإخفاء الهدية في أحد زوايا الغرفة واللاعب يبحث عنها ، ويحصل على نقاط للفوز إن وجدها .

 بدأ سامي بتحديد كل العناصر التي يحتاج وضعها في اللعبة ،وحرص على اختيار ألعابه المفضلة في طفولته ، واستعان بأخته حتى تقترح عليه الأفكار ، وبعد عدة محاوالت استطاع سامي بأن يصمم اللعبة على مستويات تحدي مختلفة تتناسب مع قدرات اللاعب ، وواجه بعض التحديات إلا إنه تغلب عليها عن طريق مساعدة أصدقائه وأيضا سعيه وراء الحلول . فاقترحت عليه أخته بأن يعرض اللعبة على معارفه ويطلب منهم لعبها بهدف تجميع الملاحظات ، فرحب سامي بفكرة أخته وشرع بالعمل . بعد عدة أشهر جاء اليوم الذي التقى فيه سامي بعمه المفضل ، وقرر أن يفاجأه بالإنجاز الذي وصل إليه ، فاندهش العم من قدرات ابن أخيه ، وأثنى عليه وعلى أفكاره المميزة ، وطلب منه أن يحكي له مراحل العمل والتحديات التي واجهها أثناء التصميم ، وكذلك الحلول لكل  المشاكل وكيفية الحصول عليها ، وهنا توقف العم عندما وقوف سامي وتوجه إلى دولابه الصغير ، وبدأ البحث عن شيء ما ، وبعد هنيهة رجع وبيديه صندوق صغير قد وضحت عليه بعض علامات القدم والتهالك ، فتقدم سامي من عمه وسأله هل تتذكر يا عمي هذه اللعبة ، هنا شرد العم قليلا محاولا التذكر ، فتذكر بأنها هدية النجاح التي قدمها له ، هنا أخبر سامي عمه بأن الهدية هي مفتاح العمل والإنجاز ، وهي بوابته التي فتحت له آفاق عالم الذكاء الإصطناعي ، وهي من أرشدته إلى التحدي والتفكير ، فشعر العم بالفخر على توفيقه في اختيار اللعبة و أنها سبب الإبداع الذي وصل إليه سامي ، ذلك الطفل الصغير الذي طالما سعى في صغره إلى التميز وها هو الآن يصمم ألعاب تفاعلية مستخدما تقنية الذكاء الإصطناعي ، فاقترح عليه أن يفكر بطريقة ينمي فيها قدراته ، وفي ذات الوقت ينفع غيره من خلال تدريبهم على تقنية الذكاء الإصطناعي ، أعجبت الفكرة سامي وشكر عمه على إلهامه له ومساعدته في الوصول لأعلى مستويات الإنجاز .

 بدأ سامي في مشروعه الجديد وهو إقامة دورات تدريبية على مواقع التواصل الإجتماعي، وأنشأ قنوات تدريبية تحمل فيديوهات تعليمية ذات مستويات مختلفة ، ولم يهمل استفسارات المتابعين ، فقد كان حريصا على الرد على جميع الإستفسارات والتي طالما اعتبرها بأنها مكانا خصبا للتعلم والبحث ، حيث كان كل استفسار بمثابة تقدم وزيادة خبرة على خبراته . 

ظل سامي يتبع طموحاته حتى أصبح قادرا على تنفيذ دورات حضورية مباشرة في أحد معاهد التقنية الموجودة في العاصمة مسقط ، وأصبح له مكتبا خاصا يمارس فيه عمله ، وهو ليس كمكتبه الصغير ، فكل شيء تغير وكل شيء تبدل ما عدا لعبة الشطرنج موجودة على الطاولة وقد كتب عليها عبارة ( هدية عمي ) ، وجلس سامي يتأمل اللعبة وبيديه كوب قهوته السوداء وهو مبتسما .

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.